واشنطن ساعدت بعلاج أسماء الأسد.. تفاصيل جديدة عن مفاوضات الرهائن


 كشفت وكالة “أسوشييتد برس” عن تفاصيل جديدة بشأن المفاوضات السرية بين نظام السوري والولايات المتحدة الأميركية في الصيف الماضي، والتي أقرّت بها إدارة الرئيس دونالد ترامب في تشرين الأول الماضي، وقالت إنها عقدت لمناقشة مصير الرهائن الأميركيين المحتجزين لدى النظام، من دون أن تقول الكثير بشأن هذه المفاوضات.

ووفق مصادر خاصة لـ “أسوشييتد برس” اطلعت على المفاوضات، فإن واشنطن أجرت عدة محاولات لبناء “نيات حسنة” مع نظام الأسد، قبل وقت طويل من إجراء المحادثات، حيث قال أحد كبار مساعدي البيت الأبيض والذي شارك في المباحثات، كاش باتل، إن أحد حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، من دون أن يسميه، قدّم المساعدة في علاج زوجة رئيس النظام بشار الأسد، أسماء، من مرض سرطان الثدي.

وأشار مصدر الوكالة أنه في سبيل بناء “حسن النية” بين الطرفين، توسّط حليف لواشنطن في المنطقة في العام 2018 لتقديم المساعدة في علاج أسماء الأسد، رافضاً الإدلاء بمزيد من التفاصيل، في حين أعلن النظام تعافي زوجة الأسد من سرطان الثدي بعد عام من ذلك.

وتسلط التفاصيل التي كشفتها الوكالة الضوء على الجهود الحساسة والسرية على عمليات تحرير الرهائن الأميركيين المحتجزين، وبحسب الوكالة فإن هذه العمليات أسفرت عن نجاحات رفيعة المستوى لإدارة ترامب، ولكنها انتهت في طريق مسدود، وحالياً من غير الواضح مدى قوى إدارة بايدن في دفع الجهود لتحرير الصحفي الأميركي أوستن تايس ورهائن آخرين، خاصة أن مطالب نظام الأسد على طاولة المفاوضات تتعارض مع أهداف السياسة الخارجية للبيت الأبيض.

في الصيف الماضي، اجتمع كبير مساعدي البيت الأبيض، كاش باتيل، والضابط السابق في الجيش الأميركي، روجر كارستينز، مع رئيس جهاز استخبارات نظام الأسد، علي مملوك، في دمشق، لمناقشة مصير الرهائن الأميركيين المحتجزين لدى نظام الأسد، بمن فيهم الصحفي أوستن تايس، الذي اختفى في آب من العام 2012، والطبيب مجد كمالماز  الذي اختفى في العام 2017.

وبدا الاجتماع، الذي عقد في آب من العام 2020، حدثاً غير عادي بالنظر إلى العداء بين واشنطن ونظام الأسد، فضلاً عن عدم اعتراف النظام باحتجاز تايس أو تقديم أي معلومات عن مكان وجوده، ما جعل الاجتماع غير مثمر، حيث قال كاش باتيل “كنا سننجح في إعادة الرهائن الأميركيين إلى الوطن، لكن لم نصل إلى ذلك”.

وفي حين لم يقدّم نظام الأسد أي معلومات ذات قيمة عن مصير ومكان الرهائن الأميركيين، إلا أنه أثار خلال الاجتماع مجموعة من المطالب من شأنها أن تعيد تشكيل سياسة واشنطن تجاه سوريا بشكل أساسي، بما في ذلك رفع العقوبات، وانسحاب القوات الأميركية من سوريا، واستعادة العلاقات الدبلوماسي بشكل طبيعي.

ومع ذلك، أظهر دونالد ترامب استعداد بلاده لسحب قواتها من سوريا وأماكن أخرى من الشرق الأوسط، في مقابل استعادة الرهائن، معتبراً “ذلك أولوية قصوى للسياسة الخارجية للولايات المتحدة”.

وبعد أشهر من المحادثات، كثفت وسائل الإعلام الأميركية إظهار اسم أوستن تايس في الأخبار، ما دفع الرئيس ترامب إلى إرسال رسالة إلى والدي تايسن، أكد فيها أنه “لن يتوقف أبداً عن العمل من أجل إطلاق سراح ابنهما”، إلا أن ولايته انتهت في 20 كانون الثاني الماضي من دون أن يظهر مصير تايس.

وتعهّدت إدارة بايدن أيضاً بجعل استعادة الرهائن أولوية، لكنها دعت حكومة النظام إلى وقف انتهاكات حقوق الإنسان، ما يجعل من غير المرجح أن تكون واشنطن أكثر تقبلاً للشروط التي أثارها النظام من أجل مواصلة الحوار.

وقال الضابط السابق في الجيش الأميركي روجر كارستينز، الذي حضر الاجتماع بصفته المبعوث الرئاسي الخاص لشؤون الرهائن في عهد ترامب، “أظن أنه على قيد الحياة، وينتظرني أن أحضره”، الأمر الذي دعا الرئيس بايدن إلى إبقائه بمنصبه في إدارته.

من جهته، كبير مساعدي البيت الأبيض كاش باتل، الذي كان مستشاراً بارزاً لمكافحة الإرهاب في البيت الأبيض، وشغل منصب مساعدة لجنة المخابرات في مجلس النواب، حيث اكتسب خبرة في قضية دفع جهود الجمهوريين لتحدي التحقيق في التدخل الروسي في انتخابات العام 2016، كما شغل سابقاً منصب المدعي العام في وزارة العدل في عهد باراك أوباما، أوضح أن الاجتماع كان قيد الإعداد لأكثر من عام، مما دعاه إلى طلب المساعدة من جهات لبنانية على علاقة مباشرة مع الأسد.

ووفق مصادر “أسوشييتد برس”، فقد وصل المسؤولان الأميركيان إلى دمشق عبر لبنان، وقالا إنهما لم يريا أي آثار أو علامات واضحة على الصراع الذي أودى بحياة نصف مليون شخص وشرّد نصف سكان سوريا، ما يشير إلى عمل النظام على إخفاء وإزالة آثار عملياته العسكرية وانتهاكاته لحقوق الإنسان في مناطق سيطرته.

في دمشق، طالب المسؤولان الأميركيان، خلال اجتماع داخل مكتب رئيس المخابرات، علي مملوك، بمعلومات عن الصحفي تايس والطبيب كمالماز، إلا أن مطالب النظام التي واجهها المفاوضان بدت غير منطقية وتتعارض مع السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

وذكر العديد من الأشخاص أن شروط النظام لكشف مصير الرهائن تمثلت بتغير سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا بالكامل، وقال باتل إنه “مع عدم تلبية مطالب النظام، لم يقدم أي معلومات ذات معنى عن تايس، بما في ذلك دليل على الحياة، والذي كان من الممكن أن يولّد زخماً كبيراً”.

وأشار المسؤول الأميركي إلى أنه حينذاك كان “متفائلاً بعد المفاوضات، لكنه ينظر الآن إليها بأسف”، معتبراً أن ما حصل “واحدة من أكبر إخفاقاتي في ظل إدارة ترامب هي عدم استعادة أوستن”.

وقال والد الصحفي المحتجز، مارك تايس، إنه “على الرغم من تراجع الأمل بالمفاوضات الدبلوماسية، فإنها أظهرت أن التعامل مع نظام الأسد كان ممكناً”، مضيفاً أنه “من الممكن أن تحصل المفاوضات من دون أن يتعرض الأمن القومي للولايات المتحدة للتهديد، ومن دون أن تتأثر سياستنا في الشرق الأوسط، ومن دون أن تحدث كل الأشياء الفظيعة التي حدثت خلال السنوات الماضية”.

وفي تشرين الثاني الماضي، نشر صحفي على موقع “توتير” خبراً خاطئاً عن إطلاق سراح تايس، فكتبت والدة تايس أنها تأمل أن تتحول هذه الأخبار المزيفة إلى حقيقة واقعة يوماً ما”.

فرد عليها ترامب برسالة كتبها بقلمه قال فيها “نعمل بجد على هذا ونبحث عن الأجوبة، نريد عودة أوستن، ولن نتوقف أبداً”، لكن والدة تايس قالت إن الأسرة “لا تحتاج إلى رسائل من الرئيس”، مضيفة “الشيء الذي نطلبه هو رؤية أوستن على مدرج المطار، وجعل رئيس الولايات المتحدة يصافحه”.

يشار إلى أن وزارة الخارجية الأميركية قالت، في بيان سابق لها، إن “إعادة الرهائن إلى الوطن إحدى أولويات إدارة بايدن”، داعية نظام الأسد إلى إطلاق سراحهم، إلا أن آفاق المفاوضات غير مؤكدة، بسبب عدم التزام دمشق، ومن غير المرجح أن ترى الإدارة الأميركية نظام الأسد شريكاً موثوقاً فيه للتفاوض، خاصة مع الجهود الأميركية لمساءلة نظام الأسد من قبل “منظمة حظر الأسلحة الكيميائية” في كانون الأول الماضي.

وأغلقت الولايات المتحدة الأميركية سفارتها في دمشق في العام 2012، وسحبت سفيرها مع تصاعد العمليات العسكرية، وعلى الرغم من إعلان ترامب في العام 2019 عن انسحاب قوات بلاده من شمالي سوريا، لا يزال الوجود العسكري الأميركي يساعد “قوات سوريا الديمقراطية” وفصائل أخرى في مناطق شمال شرقي سوريا، الغنية بالنفط والغاز الطبيعي.

ولم يعلن الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي بدأ ولايته قبل أقل من ثلاثة أشهر حتى الآن الكثير عن سوريا، إلا أنه أدرجها ضمن المشكلات الدولية التي يجب على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة معالجتها. في حين كان آخر تصريحات وزير الخارجية أنطوني بلينكن الأسبوع الماضي أن “الوضع في سوريا ما زال خطيراً كما كان دائماً”.


ليست هناك تعليقات