كابوس الألغام يهدد مدينة سلمية.. جهود النظام لتفكيكها “غير مرئية”


 شهدت مدينة سلمية بريف حماة هدوءًا نسبيًا منذ عام 2017، عندما انسحب تنظيم “الدولة الإسلامية” من ريفي المدينة الشمالي والشرقي، وحلت قوات النظام والميليشيات الموالية له مكانه.

ورغم أن المدينة لم تشهد أي معارك داخل أحيائها منذ انطلاق الثورة السورية عام 2011، نالت نصيبها من التفجيرات وعمليات القصف التي شنها تنظيم “الدولة” منذ سيطرته على الريف الشرقي للمدينة في منتصف عام 2013.

ومنذ مطلع العام الحالي تكرر انفجار الألغام بمزارعين كانوا متجهين لأعمالهم في الأراضي الزراعية بريف سلمية، ما فتح أبواب الأسئلة أمام المدنيين عن نهاية هذه الحوادث التي باتت مصدر قلق بالنسبة للكثيرين، وخصوصًا ممن يعملون في قطاع الزراعة، الذين يضطرون للخروج يوميًا إلى أطراف المدينة.

وكان آخر تلك الحوادث انفجار لغمين بسيارتين في منطقة وادي العزيب، الأحد 7 من آذار، ما أسفر عن مقتل 18 مزارعًا كانوا متجهين إلى أعمالهم عبر مجموعتين.

ويتبنى تنظيم “الدولة” عمليات في سلمية بشكل متكرر، رغم أن سكان في المدينة قابلتهم عنب بلدي، أكدوا أن بعض التفجيرات التي يروح ضحيتها مدنيين من مخلفات العمليات العسكرية للنظام.

وخلال عام 2020، تبنى التنظيم أكثر من 600 هجوم، في سوريا فقط، عبر خلاياه التي تتركز في البادية والمنطقة الشرقية.

إعلانات يومية عن عمليات تفكيك الألغام.. ما النتيجة؟

منذ عام 2017، يكاد لا يمر يوم من دون إعلان قوات النظام أو ميليشيات “الدفاع الوطني” عن تفكيكهم للألغام في محيط مدينة سلمية، وفي بعض الأحيان كانت القوات الروسية هي من تشرف على العمليات، فكانت أول عملية تفكيك للألغام من تنفيذ مختصين روس عام 2017، بحسب “رويترز“.

حتى إن الألغام طالت قائد كتيبة الهندسة في ميليشيا “الدفاع الوطني” الرديفة للنظام السوري عام 2018، إذ أصيب العميد حسين خسارة، بانفجار لغم أرضي في ريف سلمية الغربي في أثناء محاولة تفكيك ألغام زرعها تنظيم “الدولة” سابقًا، بحسب صفحة “سلمية مباشر” على “فيس بوك”، والمعنية بنقل أخبار المدينة.

وبعد انتهاء القوات الروسية من تفكيك الألغام، وقيام “الدفاع الوطني”، بالعديد من عمليات التمشيط وتفكيك الألغام، قُتل أكثر من 24 مدنيًا خلال انفجار لغم من مخلفات تنظيم “الدولة” بسيارة تقل عمال ومزارعين عام 2019، وكان هذا الانفجار هو الثالث من نوعه في ذلك الوقت، إلا أنه كان الأبرز من ناحية عدد الضحايا.

عادةً ما ترتفع كثافة انفجار الألغام الأرضية في ريف مدينة سلمية في نهاية وبداية كل عام، مع بداية موسم قطاف نبتة الكمأة، حيث يخرج المزارعون لقطاف النبتة على شكل مجموعات وينتشرون في الأراضي الزراعية على شكل مجموعات، ما يرفع من احتمالية انفجار الألغام.

هل جميع الألغام من مخلفات تنظيم “الدولة”؟

أحد أبناء المدينة (تحفظ على نشر لأسباب أمنية) قال لعنب بلدي إن الكثير من الألغام التي انفجرت في محيط المدينة، كانت في مناطق لم يدخلها تنظيم “الدولة” سابقًا، إنما في خطوط تماس سابقة بين قوات النظام ومقاتلي التنظيم، و”في بعض الحالات كانت تنفجر ألغام في مناطق كانت تعتبر نقاط تمركز لقوات النظام في أثناء تواجد التنظيم في المنطقة”.

وأضاف المصدر، أن الانفجار الذي وقع خلال شهر شباط الماضي في قرية أبو لفّة شرقي مدينة سلمية، والذي أودى بحياة ثلاثة مدنيين، لم يكن ناجم عن مخلفات تنظيم “الدولة” الذي لم يدخل القرية، لكن قوات النظام نشرت ألغامًا خوفًا من المفخخات التي كان يرسلها التنظيم بشكل دوري.

“التشكيك بحديث النظام عن أن هذه الألغام من مخلفات التنظيم، لا يقتصر على شخص أو شخصين، إنما هي حالة تسود الشارع في سلمية، لكن الاحتجاج هو آخر الاحتمالات، فتهمة الخيانة تبحث عن من تُلصق به” بحسب تعبير المصدر.

وأكد مصدر ثانٍ من أبناء سلمية (تحفظ على نشر اسمه لأسباب أمنية)، أن اللغم الذي انفجر بسيارة تقل مزارعين في منطقة رسم الأحمر في 27 من شباط الماضي، ليس لغمًا فرديًا، إنما مضادًا للدبابات، وهو من مخلفات الميليشيات الموالية للنظام “التي كانت تملأ الجبهات القتال بالألغام خوفًا من المفخخات”، حسب تعبيره.

ردود أفعال غاضبة.. الاحتجاج ليس واردًا

أحد أبناء مدينة سلمية الذين التقتهم عنب بلدي، يعتبر  تنظيم “الدولة الإسلامية” شماعة بالنسبة للنظام ومسؤولي المدينة.

فخلال العام الماضي شهد ريف مدينة سلمية اعتراض مسلحين للباصات التي تنقل عناصر من قوات النظام، وإطلاق الرصاص، الأمر الذي نقله إعلام النظام على أن مقاتلي تنظيم الدولة هم الفاعلون.

لكن المصدر لفت إلى أن تواجد تنظيم “الدولة” ينحصر في الجهة الشرقية للمدينة (منطقة البادية)، والتي تنطلق منها أغلب عمليات خلاياه في محافظات حمص وحماة ودير الزور وحلب.

أما المناطق القريبة والمحيطة بالمدينة تسيطر عليها قوات النظام أو الميليشيات الموالية له، وخصوصًا المناطق التي تتعرض للكمائن، فهي بعيدة نسبيًا عن مناطق خلايا التنظيم أو فصائل المعارضة، بحسب المصدر.

وتابع المصدر، “من يتحمل مسؤولية القتلى الذين سقطو خلال الأيام القليلة الماضية، هم مسؤولو المدينة وميليشيات النظام فيها، الذين تجاهلوا الألغام الموضوعة في المناطق الزراعية إهمالًا وليس لأي سبب آخر”.

وعن فكرة الاحتجاج، قال “انعدام الأمان من أسوأ نتائج الحروب، خصوصًا أن الألغام باتت كابوس” يلاحق أبناء المدينة، ولكن الأولى أن نحتج على ارتفاع الأسعار، والفساد، والصلاحيات المطلقة لحملة السلاح في المدينة، قبل أن نحتج على إهمال الميليشيات في محيط المدينة”.

جهود إزالة “ضعيفة”

أصدرت “منظمة الأمم المتحدة” تقريرًا، في تموز 2019، قالت فيه إن مخلفات الحرب والألغام في سوريا تهدد حياة عشرة ملايين سوري.

وأشارت المنظمة الأممية إلى أن جهود إزالة الألغام لا تزال قليلة، ودعت أطراف النزاع السوري إلى السماح للمختصين الدوليين بإزالة مخلفات الحرب والقيام بأنشطة توعوية لمخاطر الألغام، وضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني.

وتشكل إزالة الألغام أزمة تعرقل حياة المدنيين، خصوصًا في المناطق التي كان يسيطر عليها تنظيم “الدولة الإسلامية” أو في المناطق القريبة منها، فتنظيم “الدولة” اتبع سياسة التلغيم بعد انسحابه من مناطق سيطرته، الأمر الذي أدى إلى وقوع أضرار بشرية بشكل مستمر.


المصدر : عنب بلدي 

ليست هناك تعليقات