ما علاقة قنابل الحرب العالمية بتعطل نظم اتصال حديثة؟

بعد مرور ما يقرب من 80 عاما، لا تزال الآثار المترتبة على التفجيرات العنيفة خلال الحرب العالمية الثانية محسوسة في عالمنا. وقدمت دراسة علمية للعالم الفيزيائي كريستوفر سكوت البريطاني ما يعد دليلا ملموسا على أسباب تعطل إشارات الملاحة الجوية والبحرية والبرية في الحاضر تمهيدا لتلافي تأثير ما يحدث على الكرة الأرضية على الغلاف الجوي في الفضاء الخارجي.
ذكريات أسرية تقود لكشف علمي
حرص بروفيسور سكوت، الذي لقيت اثنتان من خالاته حتفيهما في عمر 9 و11 سنة فقط خلال حملة لندن بليتز، وهي غارات جوية دموية، شنتها ألمانيا النازية على مدى 8 أشهر ضد البريطانيين، على إجراء أبحاث حول الآثار المترتبة على هذه الغارات الجوية، في إطار مجال تخصصه فى الفضاء والجو بجامعة ريدينغ البريطانية، ليكتشف أن الضرر الواقع من دوي متفجرات تلك الحقبة وصل إلى حافة الفضاء الخارجي للكرة الأرضي، وفقا لما نشره موقع "Live Science".
موجات الصدمة
وتوصل بروفيسور سكوت، من خلال دراسة موسعة للبيانات الأرشيفية، إلى أن موجات الصدمة من القنابل أضعفت لفترة وجيزة طبقة الأيونوسفير، وهي الطبقة الخارجية من الغلاف الجوي للأرض، والتي تستضيف حاليا رواد الفضاء المقيمين على متن المحطة الفضائية الدولية.
حل بديل
ويتواجد الغلاف الأيوني على ارتفاع ما بين 80 و600 كيلومتر فوق سطح الأرض. وتستثار ذرات الغاز في هذه الطبقة من الغلاف الجوي عن طريق الإشعاع الشمسي لتتكون أيونات مشحونة كهربائيًا. وتتباين كثافة وارتفاع الإلكترونات، أو الجسيمات المشحونة سلبًا، في الأيونوسفير.

ويقول سكوت، في تصريح لـ Live Science، إنه كان يعتزم في الأصل تخصيص الدراسة حول تأثيرات غارات لندن بليتز بشكل محدد، ولكنه لم يجد إلا معلومات قليلة للغاية حول تلك الغارات والذخائر المستخدمة خلالها.

ويضيف بروفيسور سكوت أنه توصل إلى حل بديل عن طريق أحد زملائه في جامعة ريدينغ، وهو المؤرخ باتريك ميجور، الذي أمده بقاعدة بيانات حول قصف برلين بين عامي 1943 و1944، كما تمكن هو أيضا بنفسه من الوصول لقواعد بيانات أخرى تتضمن معلومات حول غارات جوية شنتها قوات الحلفاء في أوروبا.
قنابل غاشمة القوة
وتشير قواعد البيانات الأرشيفية إلى أن كل غارة أطلقت قذائف وقنابل بطاقة تعادل ما لا يقل عن 300 ضربة برق خاطفة، حيث استخدمت في بعض منها قنابل غاشمة القوة مثل قنابل غراند سلام، بريطانية الصنع، بعيدة المدى والتي تزن 10000 كيلوغرام.

ويدلل المؤرخ ميجور على مدى قوة تلك القنابل قائلا: "يروي المواطنون الذين عاصروا عمليات القصف بهذه القنابل، كيف أن موجات الضغط المتولدة عن انفجار القنابل، التي يسمونها الألغام الجوية، تطيح بهم في الهواء وكيف كانت تقتلع واجهات المنازل والنوافذ والأبواب من مفاصلها".

ووفقا للنتائج المنشورة في دورية Annales Geophysicae العلمية، توصل بروفيسور سكوت وفريقه البحثي، عندما قاموا بفحص ودراسة سجلات استجابة الأيونوسفير في توقيتات تزامنت مع شن 152 من غارات الحلفاء الجوية العنيفة في أوروبا، أن تركيز الإلكترون انخفض بشكل ملحوظ بسبب موجات الصدمة الناجمة عن انفجار القنابل.

ويوضح سكوت قائلا: "كان الأمر بمثابة مفاجأة كبيرة لنا عندما رصدنا أن مدى التأثير للتفجيرات وصل إلى الفضاء الخارجي، من خلال مراجعة ومقارنة السجلات الأيونية للقصف على مسافة 1000 كيلومتر".
الموجات القصيرة وGPS
ويعلق إنغو مويلر-وودرغ، عالم كواكب في كلية إمبريال كوليدج في لندن والذي لم يشارك في الدراسة، قائلا: إن البحث هو بمثابة "دليل واضح على كيفية تأثر الغلاف المتأين بالنشاط على الأرض، بالرغم من أنه يقع على ارتفاع عشرات إلى مئات الكيلومترات فوق الأرض".

ويقول سكوت إن آثار صدمة الموجات ربما تكون مؤقتة وتدوم لفترة أقل يوم، مشيرا إلى أن ضعف الأيونوسفير يؤثر على كفاءة الاتصال اللاسلكي على الموجة القصيرة، والذي يعتمد على الأيونوسفير ليعكس الإشارات عبر مسافات طويلة، وبالتالي فإن هذا التأثير، أو اضطرابات الأيونوسفير بصفة عامة، يمكن أن تنطبق على المزيد من التقنيات الحديثة، مثل نظام GPS.
أعطال الـGPS في 2017
كما كشفت دراسة أخرى، نشرت في وقت سابق من هذا العام، أن موجة الصدمة الهائلة جراء إطلاق صاروخ SpaceX Falcon 9 في عام 2017 تسبب في إحداث فجوة مؤقتة في الأيونوسفير، وتعلل هذه الفجوة سبب تعطل نظم الملاحة الجوية والبحرية والبرية، التي تعتمد على نظام GPS لمدة ساعتين آنذاك.

وتلقي نتائج الدراسة الضوء على أسباب لم يسبق وضعها في الحسبان عند البحث في أسباب مبهمة لأعطال نظم الاتصال والتوجيه المستخدمة في المجالات العسكرية والمدنية والتي تعتمد على الموجات القصيرة أو GPS، ويختتم مولر-وودارغ قائلا: "إن هذه الدراسة تعطي دعما قويا للاقتراح القائل إن الأحداث على الأرض، التي تولد أي نوع من الموجة الصدمية أو النبضات القوية، يصل تأثيرها إلى طبقة الأيونوسفير".

المصدر: العربية.نت - جمال نازي

ليست هناك تعليقات