هل بإمكان “المركزي السوري” التحكم بسعر الليرة؟

مشكلة ارتفاع سعر العملات الأجنبية هي مشكلة حيوية تأثر بها كل مواطن سوري، وأثرت في مختلف قطاعات الاقتصاد السوري.

ومع استقرار سعر الليرة في الأشهر الأخيرة والأمل في تحسن قيمتها بموجب وعود مصرف سوريا المركزي، نستعرض بعض العوامل التي أثرت في ارتفاع سعر صرف الدولار:
 
العامل الأول
 
الفوضى والاضطراب الأمني، وهو سبب ظاهري، أما السبب الحقيقي فهو امتلاك السوق للدولار وقدرتها على البيع بسعر مرتفع، وقدرة أصحاب الربح على تحويل أرباحهم بحرية من الليرة السورية إلى دولارات، مقدمة بشكل رئيسي من دولارات احتياطي السوريين في المصرف المركزي، وبالتالي يستطيع السوق أن يستغل الفوضى بسبب حرية امتلاكه للدولار بكميات كبيرة وحرية بيع وشراء أصحاب الربح للدولار… أما تقييد الحكومة لشراء وبيع الدولار فهو شكلي، والدليل أن الإجراءات التي يتخذها المصرف المركزي تصب بالنهاية في تراكم الدولار لدى الكبار في السوق، وتعويض ما يتم بيعه، والسبب الحقيقي الذي سمح باستغلال السوق هو الفساد والمتلاعبون بقيمة الليرة في ظروف الفوضى للحد الأقصى.

العامل الثاني

التدفق السكاني الخارج من سوريا له أثر مضاعف، يتمثل في فقدان الإنتاجية، وكذلك في زيادة الطلب على العملات الأجنبية، فإذا فرضنا أن المواطن المغادر لسوريا ليس منتجًا فإن غياب مليون شخص غير منتج يتسبب بارتفاع الدولار بمعدل 0.02، أما إذا كان الشخص منتجًا فإن متوسط الإنتاجية يتراجع إلى الضعف.

العامل الثالث

توقف بعض موارد الإنتاج الصناعي والزراعي، فإذا فرضنا أن نصف مجالات إنتاج القطاع الصناعي قد توقفت، فإن ذلك يتسبب بارتفاع سعر صرف الدولار بمعدل 10%، وأيضًا انخفاض إنتاج النفط بمعدل 80% يعني ارتفاع الدولار بمعدل 10%، كما تكون النتيجة في القطاع الزراعي على غرار ذلك.

العامل الرابع

اختلال حركة الاستيراد والتصدير، وتمثل بيانتها مؤشرًا أكثر دقة لتحديد الأثر في ارتفاع سعر الدولار.
إحدى اقوى التحركات الفعالة التي قامت بها الحكومة من أجل حماية الليرة السورية هي عملية المقايضة، التي جرت مع إحدى الدول الحليفة، ما يعني ورود أموال الدعم بالعملة الصعبة من الخارج.
مما سبق نحصل على خلاصتين:

الأولى:

على ما يبدو ليس للمصرف المركزي دور حقيقي في ارتفاع سعر الصرف، ولا بانخفاضها، وحركات التدخل (الضخ) التي يقوم بها غير مسوَّغة، علمًا أن حالات معينة عرضية (لعبة سوقية) قد تستلزم تدخل المركزي لامتصاص صدى اللعبة، أما الواقع الاقتصادي في سوريا غير ملائم لأنه يتصف بسلسلة ألاعيب تترافق مع مقومات حقيقية تسوغ ارتفاع سعر العملات الأجنبية.

الثانية:

إن اهم المؤثرات في سعر صرف الليرة السورية هي توقف الإنتاجية وزيادة الاستيراد، ولكن كلما استعيدت نسبة من الموارد تعزز وضع الليرة السورية، وبالمقابل إذا تم فقدان موارد اقتصادية جديدة فبقدر الفقد تنخفض الليرة.

ثمانِي سنوات من الحرب، وسوريا تخسر أكثر من 4.5 مليارات دولار شهريًا، ووفق تقارير صندوق النقد الدولي حدث تراجع حاد في عائدات النفط في سوريا، كما شكل توقف حركة التجارة ضغوطًا على ميزان المدفوعات وانخفاض إيرادات صادرات النفط، ويؤشر الحساب الجاري في ميزان المدفوعات إلى الانخفاض، مسجلًا عجزًا بنسبة 22%، من إجمالي الناتج المحلي (يعتبر ميزان المدفوعات المقياس الحقيقي لحالة أي بلد خارجيًا، وحالة تطوره ونموه داخليًا).

وفي مناقشة لأرقام الموازنة العامة لعام 2018، التي تزيد 3 تريليونات ليرة (نحو 6 مليارات دولار) عن موازنة 2017، بنحو 15% من الانفاق الاستثماري، إذ بلغت الموازنة الحالية 2660 مليار ليرة سورية، أي بما يعادل 5.16 مليارات دولار باستخدام سعر صرف 515 ليرة سورية للدولار، وتم قبول هذه الموازنة وتصنيفها بأنها توسعية وليست انكماشية، إذ زاد الانفاق الاستثماري (العسكري على وجه الخصوص)، مما أظهر عجزًا في الموازنات السابقة.

وتبقى هذه الموازنة “من ورق وعلى ورق”، لأن الأهم من إصدارها وإقرارها على أنها أعلى موازنة “رقميًا” (في تاريخ سوريا هذا الرقم فلكي)، هو سد تراجع الموارد العامة لخزينة الدولة من نفط وضرائب وتمويل الموازنات السابقة عبر الاقتراض من المركزي، ولكن المركزي شبه خاوٍ اليوم في ظل هبوط العملة السورية مقابل الدولار، أي ان هناك تلميحات إلى إمكانية مدّ اليد إلى احتياطي الذهب.

ولكن يبقى السؤال الأهم من أين ستأتي الحكومة بالتريليونات، بعد بلوغ خسائر الحرب 275 مليار دولار، وشلل القطاعات الإنتاجية والخدمية، وتحول النفط من أهم مورد للخزينة إلى أكبر مستنفزف لها، وبعد أن حولت عجز الموازنات السابقة بنحو 29% كقروض من المصرف المركزي، الذي شارف على إعلان إفلاسه من القطع الأجنبي.

المصدر : عنب بلدي