حملة بناء مستوطنات في منطقة عفرين الكوردية بدعمٍ تركي
تؤكّد المصادر من داخل منطقة عفرين الكوردية، الخاضعة لاحتلال الجيش التركي والمجموعات المسلّحة الإسلامية المتشددة للمعارضة السورية الموالية لتركيا، منذ 18 مارس 2018، والتي تُدار من قبل نائب والي ولاية هاتاي التركية، أنّ حملة مكثّفة لبناء مستوطنات سكنية قد بدأت بهدف توطين العرب والتركمان الذين أسكنتهم تركيا والمعارضة السورية في المنطقة الكوردية بعد تهجير أكثر من 75 من سكانها الأصلين الكورد قسراً جرّاء العملية العسكرية التي انتهت باحتلال المنطقة.
وحصلت شبكة رووداو الإعلامية على مقطع مصوّر من موقع بناء إحدى المستوطنات قرب قرية (شادير) التابعة لمنطقة (شيراوا)، تظهر فيها أعمال الإنشاء، ويحيط بالموقع عددٌ كبير من خيم المستوطنين. المصدر الذي زوّد شبكة رووداو بالمقطع المصوّر، والذي طلب التكتّم على هويته لأسباب أمنية، كشف أنّ أعمال بناء المستوطنة تجري في موقعٍ يُسمى گەلییە نەوالێ "كليه نوالي" قرب قرية شادير.
كما تمّ التحقّق من بناء مستوطنة في شمال غرب مدينة جنديرس، من قبل منظمة إحسان للإغاثة والتنمية التركية، تضمّ 247 وحدة سكنية، تشمل كلّ وحدة على مساحة 40 م² كبناء للسكن، 060 م² حديقة منزلية. مصدر من قرى شمال جندريس، تحدّث إلى شبكة رووداو، شريطة عدم الكشف عن هويته تحسّباً للأخطار الأمنية، وقال: " يُقام مشروع المستوطنة على أرضٍ في جبل شيخ محمد، وهو امتداد لجبل قازقلي حيث كانت تُقام احتفالات عيد النوروز قبل الاحتلال، بين قريتي كفر سفري وتاتارا، في موقع يقع تماماً بين مقبرة الشهيد سيدو، التي تم تجريفها وسرقة مرمر ورخام أضرحة الشهداء منها، وسفح جبل قازقلي. وقد شاهدتُ بنفسي أعمال البناء الاسمنتي في موقع المستوطنة".
مصدرٌ آخر من نفس المنطقة، طلب منّا عدم الكشف عن هويته نظراً لما سيشكّل ذلك من خطر على حياته، كشف لشبكة رووداو الاعلامية عن إنشاء مستوطنة أخرى في الريف الشمالي لناحية جندريس، قائلاً: "تمّ تجريف العشرات من الأشجار في أرضٍ تابعة لقرية حج حسنه، شمال مدينة جندريس، وتسوية الأرض، والبدء بأعمال بناء مستوطنة فيها".
الدكتور وليد شيخو، الأكاديمي والسياسي الكوردي المستقلّ، المتحدّر من ناحية جندريس، 20 كيلومتراً غرب مركز مدينة عفرين، تحدّث إلى شبكة رووداو الاعلامية عن سياسة التغيير الديمغرافي المُمَارسة في المنطقة، قائلاً: "تتعرّض ناحية جندريس وريفها لأكثر الحملات الاستيطانية شدّة لأنّها منطقة سهلية مرغوبة من قبل العرب المستوطنين الذين لا يتحمّسون للسكن في المناطق الجبلية، بالإضافة إلى قربها من المعابر، سواء كان معبر حمام الحدودي مع تركيا، أو معبر آطمة مع محافظة إدلب الخاضعة لهيئة تحرير الشام وجماعات مسلّحة أخرى من المعارضة السورية». حسب الأكاديمي الكوردي، والعضو السابق في لجنة العلاقات الخارجية للمجلس الوطني الكوردي، تتعرّض منطقة عفرين للتعريب والتتريك في آنٍ واحد، موضّحاً بهذا الشأن : « كانت نسبة السكان الكورد في ناحية جندريس تبلغ 98%، وبعد احتلال المنطقة وتهجير السكان الكورد وتوطين العرب والتركمان، تدنّت نسبة السكان الأصليين الكورد إلى 30% في ريف الناحية، و25% في مدينة جندريس، مركز الناحية، أي أنّ نسبة المستوطنين تبلغ 70% في ريف الناحية، و75% في مركز المدينة".
وتحدّث د. وليد شيخو عن مخاطر التغيير الديمغرافي، داعياً الأطراف الدولية المؤثّرة إلى التدخل لتهيئة الظروف لعودة المهجّرين من عفرين: " لا شكّ أنّ عملية التغيير الديمغرافي الجارية سوف تطرح أمامنا في المستقبل مشاكل كبيرة، ولذلك أناشد أمريكا والاتحاد الأوروبي وروسيا إلى التدخّل العاجل من أجل إيجاد حلّ لهذه المشكلة وتحقيق وضع آمن لكي يعود أهلنا إلى منطقتهم ويستعيدوا دورهم السكنية وممتلكاتهم وحقولهم".
وتحدّث مصدر من قرية جلمه (Celemê)، التابعة لناحية جندريس، طلب عدم الكشف عن درءاً للخطر الأمني على ذويه في القرية، إلى شبكة رووداو، قائلاً: " قبل أكثر من ثلاثة أشهر، استولى المستوطنون على أرضٍ تبلغ مساحتها قرابة 13 هكتاراً وتُدعى گۆلا جەلەمێ (Gola Celemê )، قرب نبع مرجانة، كانت تُستخدم مرعى للمواشي في فصل الربيع، وملعباً لكرة القدم لفريق القرية الشعبي في فصل الصيف، وبدأوا بالأعمال التمهيدية لبناء مستوطنة عليها، لكنّ اجتماع سكان القرية على رفض المشروع والاحتجاج عليه أدّى إلى إيقاف المشروع".
حول بناء المستوطنات في منطقة عفرين، تحدّث الكاتب والحقوقي المعارض غزوان قرنفل، مدير تجمّع المحامين السورين، لشبكة رووداو الاعلامية، ووصف بناء هذه التجمّعات السكانية في عفرين بالخطأ الأخلاقي والقانوني والوطني، وقال: "أنا أعتقد أنّ القيام بذلك هو خطأ أخلاقي وقانوني ووطني بالمقام الأوّل، خصوصاً إن كانت تلك التجمّعات السكانية تتمّ على الممتلكات الخاصّة لسكان المدينة. أمّا إن كانت تتمّ على أملاك الدولة وتُبنى بشكل مؤقّت، أي تُبنى كتجمّعات سكانية مؤقّتة، ستزول في يومٍ ما، بمعنى لا تكرّس واقعاً مستداماً في تلك المنطقة، فلا بأس في ذلك. ولكن إن كانت تُقام لتبقى إلى الأبد وعلى أراضي أهل المدينة، فهو بكلّ تأكيد خطأ وطني في المقام الأوّل، وهو تجاوز على القانون، ولا يحقّ لأحد الاعتداء على حقوق الآخرين من أصحاب ومالكي الأراضي في تلك المنطقة، وإلّا يكون مشاركاً في عملية تغيير ديمغرافي لطالما اشتغل عليها النظام المجرم من خلال ترحيل سكان الغوطة وريف دمشق، لأنّ إنشاء بؤر استيطانية في تلك المناطق سيبدو وكأنّه مكمّل لسياسات النظام ومساهمة في إنجاح هذه السياسات، كما أنّه سيكون على حساب سكان المنطقة، وهذا ليس في مصلحة السوريين جميعاً بطبيعة الحال".
وكان الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان قد أعلن، يوم السبت، 20 كانون الثاني 2018، في خطابٍ متلفز من مدينة كوتاهية، بدء القوات المسلّحة التركية بعملية عسكرية على منطقة عفرين. وبعد 58 يوماً من المعارك الضارية التي شاركت فيها الجماعات المسلّحة التابعة للمعارضة السورية الموالية لتركيا إلى جانب الجيش التركي، احتلت القوّات التركية والجماعات المسلّحة السورية الموالية لها، يوم 18 آذار 2018، مركز مدينة عفرين. وحال دخول تلك القوات إليها، بدأت الجماعات المسلّحة، الإسلامية المتشددة بمعظمها، بعملية نهب واسعة شملت جميع ممتلكات سكان مدينة عفرين من الكورد المهجّرين قسراً وحتى المتبقين في المدينة، وذلك أمام عدسات المصوّرين.
ومع إحكام القبضة العسكرية للقوات التركية والجماعات المسلّحة التابعة لها على المنطقة، بدأت عملية نقل واسعة لأسر المسلّحين والنازحين من مختلف المناطق السورية إلى منطقة عفرين وتوطينهم فيها من خلال الاستيلاء على الدور السكنية للمهجّرين قسراً، بل وطرد الكثير من الأسر الكوردية من منازلها، علاوة على إقامة مخيمات متناثرة في عموم المنطقة، ليصل عدد من تمّ توطينهم في المنطقة إلى أكثر من أربعمئة وخمسين ألفاً من العرب والتركمان، ولتبدأ مشاريع بناء المستوطنات وتتكثّف خلال الأشهر الأخيرة.
وقد وثّقت منظمات حقوقية محليّة وسورية ودولية انتهاكات الجيش التركي والجماعات المسلّحة المتشدّدة الرديفة له في منطقة عفرين من خلال شهادات حيّة وأدلّة دامغة، وردت بعضها في تقرير لجنة التحقيق الدولية الخاصة بسوريا، والمقدّم لمجلس حقوق الإنسان، والصادر يوم 15 أيلول 2020، شملت الاستيلاء على الممتلكات الخاصة، والاعتقال والاحتجاز القسري وطلب الفدى، والاعتداء على النساء واعتقالهنّ، والاعتداء على المواقع الأثرية والأماكن الدينية.
المصدر : شبكة روداو الاعلامية
أضف تعليق