زيارة بارزاني إلى باريس.. شراكة متجذرة لعلاقات مستقبلية واسعة


 تتجه العلاقة بين إقليم كوردستان وفرنسا إلى التنامي بمختلف الأصعدة، لاسيما وأن باريس كانت طوال العقود الثلاثة الماضية، داعماً رئيساً لإقليم كوردستان، في مختلف المجالات، وبالتالي انعكاس ذلك على تطور وتيرة هذه العلاقة الايجابية والفعالة من جهة، والوضع في العراق واقليم كوردستان والشرق الأوسط من جهة أخرى.

 
زيارة رئيس إقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني إلى العاصمة الفرنسية باريس، بدعوة من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، والتي بدأت مساء الاثنين (29 آذار 2021) تأتي لتعزز التطور المتزايد للعلاقة بين أربيل وباريس، في ظل التحديات التي يمر بها العالم بشكل عام، والمنطقة بشكل خاص.
 
باريس التي أسهمت في إصدار قرار فرض منطقة حظر طيران عام 1991، لحماية الكورد من القمع الذي كان يمارسه نظام صدام حسين، أفردت للعلاقة مع إقليم كوردستان ميزة خاصة، حيث تم استقبال رئيس إقليم كوردستان ورئيس وزراء إقليم كوردستان عدة مرات في قصر الإليزيه منذ عام 2010.
 
زيارة تأريخية ثالثة
 
زيارة رئيس إقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني، إلى فرنسا، هي الثالثة التي يقوم بها، إذ سبق وأن زار باريس في 2 كانون الأول 2017، رئيساً لوزراء إقليم كوردستان وقتها، برفقة نائبه قوباد طالباني، والتقى رئيس الجمهورية الفرنسية إيمانويل ماكرون، ليعقدا في أعقاب الاجتماع الرسمي مؤتمراً صحافياً، أوضح فيه الرئيس الفرنسي مواقف بلاده من الوضع في العراق وإقليم كوردستان والعلاقة بينهما، كما زار نيجيرفان بارزاني، بصفته رئيساً لإقليم كوردستان، باريس في 10 تموز 2019، واستُقبل من قبل الرئيس الفرنسي في قصر الإليزيه حيث عقدا اجتماعاً رسمياً.

الحرص الفرنسي على تنمية العلاقة مع إقليم كوردستان، تجسد في العديد من الأوجه، واحدة منها حرص الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون خلال زيارته إلى بغداد، في 2 أيلول 2020، على اللقاء مع رئيس إقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني والتباحث معه بشأن الأوضاع في العراق وإقليم كوردستان والمنطقة.

بالمقابل أعرب رئيس إقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني، عن تقديره للدور الفرنسي المستمر لإقليم كوردستان، حيث كتب في تغريدة بموقع تويتر، اليوم الثلاثاء (30 آذار 2021): "يسعدني أن التقيت بصديقي الرئيس ايمانويل ماكرون اليوم في باريس. كررت تقديري لدعم فرنسا المستمر لإقليم كوردستان. ناقشنا العلاقات الثنائية، والقضايا العراقية والإقليمية الملحة، والفرص والتحديات المقبلة".

"إقليم كوردستان ملف مهم جداً في قصر الإليزيه"
 
ممثل حكومة إقليم كوردستان في باريس، علي دولمري، أكد وجود علاقات متينة بين إقليم كوردستان والقصر الجمهوري في باريس، مبيناً أن "إقليم كوردستان وأصبح ملفاً في غاية الأهمية لقصر الإليزيه، ففرنسا تنظر باهتمام لعلاقاتها مع أربيل وبغداد".
 
وقال دولمري لشبكة رووداو الإعلامية إن الحجر الأساس للعلاقات الثنائية بين إقليم كوردستان وقصر الإليزيه يعود إلى عام 2010 حينما تم استقبال الرئيس بارزاني من قبل الرئيس الفرنسي الأسبق، نيكولا ساركوزي في 15 حزيران 2010، موضحاً أن اللقاء المرتقب اليوم هو العاشر من نوعه بين رئاسة إقليم وكردستان والقصر الجمهورية في فرنسا، "وهذا أمر مهم جداً لأن إقليم كوردستان أصبح قضية مهمة في الإليزيه".
 
وعلى الرغم من أن فرنسا تمر بظروف استثنائية بسبب جائحة كورونا، بادر الرئيس الفرنسي بتوجيه دعوة لرئيس إقليم كوردستان لزيارة الإليزيه، وقال دولمري إن الزيارة "تتمحور حول عدة قضايا مهمة في المنطقة، لأن فرنسا تولي اهتماماً كبيراً بالعراق وإقليم كوردستان". أما حول أهمية اللقاء، أشار دولمري إلى أن "الأهمية تكمن في أن فرنسا تدرك أن أي مصالحة أو استقرار لن يتحقق في العراق ولا في المنطقة بدون إقليم كوردستان".

باريس تستعيد دورها في الشرق الأوسط
 
وترغب فرنسا في استعادة دورها في الشرق الأوسط وخاصة في العراق وسوريا، وأوضح ممثل حكومة إقليم كوردستان في باريس أن "فرنسا تحتاج إلى دور إقليم كوردستان، وخاصة لدور السيد نيجيرفان بارزاني في هذا المجال والذي يمكن أن يكون مساعداً في أن تعالج فرنسا بعض مشاكلها في العراق"، مردفاً أن "لفرنسا علاقات قوية مع إقليم كوردستان والعراق على الصعيدين السياسي والدبلوماسي، وتريد أن تعزز تلك العلاقات"، مبيناً أن "فرنسا تريد المساهمة في إعادة تأهيل المناطق المحررة من داعش، وقد بدأت ذلك عملياً، فهي تبني حالياً مستشفى في سنجار، وخاصة للأخوة الإزيديين، كما تريد إعمار جامعة الموصل".
 
رئيس إقليم كوردستان العراق نيجيرفان بارزاني استقبل في 18 تموز 2020 وزير الخارجية الفرنسي جان - إيف لودريان وأجرى مباحثات معه تناولت العلاقات بين الإقليم وفرنسا.
 
نيجيرفان بارزاني قال في مؤتمر صحفي مشترك مع لودريان إن "إقليم كوردستان لن ينسى دعم فرنسا، وإن لودريان كان دوماً صديقاً مساهماً لتطوير العلاقات بين فرنسا وإقليم كوردستان، واصفاً زيارة لودريان إلى الإقليم بالمهمة.
 
وبشأن حقوق إقليم كوردستان في الدستور العراقي، أكد بارزاني أن فرنسا داعمة لهذه الحقوق، كما أن لفرنسا دوراً مهماً في الحرب ضد تنظيم داعش، مشيراً إلى أنه بإمكان الشركات الفرنسية الاستثمار في إقليم كوردستان.
 
بدوره، قال لودريان إن بلاده أبدت السند والتعاطف لإقليم كوردستان في الأوقات الصعبة، وإنها ستقدم مساعدات ومستلزمات طبية للإقليم، مشدياً بالدور الكبير لإقليم كوردستان في مساعدة اللاجئين والنازحين.

 

علاقات اقتصادية متينة
 
الاهتمام الفرنسي بإقليم كوردستان لا ينحصر بالجانب السياسي فقط، بل يتعداه إلى جوانب مختلفة، منها الاقتصادية، حيث أكد مسؤول القسم الاقتصادي في القنصلية الفرنسية بأربيل محمد فيضي، رغبة باريس في تقوية العلاقات الاقتصادية مع إقليم كوردستان، من خلال دلائل عدة، فـ"الزيارات المتبادلة للوفود رفيعة المستوى بين إقليم كوردستان وفرنسا كانت سارية في أوقات أكثر صعوبة من الجانب الاقتصادي، خاصةً على إقليم كوردستان، ودعوة الرئيس نيجيرفان بارزاني لزيارة فرنسا في الوقت الحالي تدل على إصرار فرنسا على تمتين علاقاتها مع اقليم كوردستان وتأكيد وجودها الاقتصادي فيه".
 
فيضي أشار لشبكة رووداو الإعلامية إلى "ازدياد التبادل التجاري بين فرنسا والعراق واقليم كوردستان خلال السنوات الماضية بالعودة للاعوام 2014 و2015 حيث كان التبادل بنسبة 280 مليون دولار، الا انه ازداد خلال سنة 2019 بنسبة 70% ليصل الى 800 مليون دولار".
 
وأفاد فيضي بوجود "أكثر من 35 شركة فرنسية تعمل في إقليم كوردستان في الوقت الحالي، وهي شركات كبيرة ومتوسطة، بعضها موجود منذ 2009، وهناك شركات تعمل بشكل مباشر وأخرى عبر شركائها في المنطقة"، موضحاً أن "إقليم كوردستان يعد بوابةً ستراتيجية للتبادل التجاري، في العراق، لذا يتم التبادل التجاري بنسبة 50% بين العراق وفرنسا عبر اقليم كوردستان".
 
التبادل التجاري بين اقليم كوردستان وفرنسا، "يتجه نحو المنتجات الزراعية حيث أن فرنسا تعد مصدر قوة الأمن الغذائي لأوروبا من حيث المنتجات الزراعية، والزراعة أهم ركيزة للأمن الغذائي، وهناك خطة سارية حالياً للتبادل التجاري الخاص بالانتاج الزراعي بين فرنسا وإقليم كوردستان، مثل تجربة زراعة بذور عدة أنواع من البطاطا الفرنسية في ناحية شيخان بإقليم كوردستان خلال الشهر الجاري، وكانت هناك تجربة مماثلة العام الماضي"، وفقاً لفيضي الذي أكد وجود "حوار حالياً لانشاء 4 معامل لصناعة الحلويات والعصائر الطبيعية في حلبجة والسليمانية، الى جانب معمل لمشتقات الحليب في أربيل الموجود منذ 2014 والذي يعمل منذ سنوات في العراق وإقليم كوردستان".
 
انشاء معامل فرنسية في إقليم كوردستان
 
المعامل الفرنسية المقرر انشاؤها في اقليم كوردستان، ستستفيد من المنتجات الزراعية لإقليم كوردستان، كمواد أولية في الانتاج نظراً للمناخ الملائم للانتاج الزراعي، ولرفع قيمتها في الأسواق واستفادة فلاحي اقليم كوردستان، وفقاً لفيضي.
 
وبشأن سياسة الشركات الفرنسية في إقليم كوردستان، قال فيضي إنها "تتجه للاعتماد على المواد الأولية التي مصدرها إقليم كوردستان، وهذا يسهم في تقوية الاقتصاد المحلي، والشركات الفرنسية لم ترحل من اقليم كوردستان ابان اجتياح داعش كمبدأ أخلاقي، حيث قامت بافتتاح مشاريع أكثر منذ ذلك الوقت، ويدل ذلك على شراكة حقيقة بين اقليم كوردستان وفرنسا"، لافتاً إلى أن "هناك اكثر من 3 مليارات دولار من الاستثمارات الفرنسية في العراق منها 35% في اقليم كوردستان".
 
مسؤول القسم الاقتصادي في القنصلية الفرنسية، شدد على "التواصل المستمر بين فرنسا وإقليم كوردستان وقوة الوجود الفرنسي اقتصادياً في اقليم كوردستان، من خلال مشاركة الشركات الفرنسية لسنوات في المعارض الدولية في اربيل، إلى جانب الرغبة بتقوية الجانب السياحي، حيث كانت هناك افواج فرنسية راغبة في الاطلاع على الجانب السياحي من اقليم كوردستان، لكن داعش وكورونا تسببا بتأخيرها"، مشيراً إلى أن العلاقات السياسية الجيدة بين البلدين تقوي الطموح الاقتصادي بينهما.
 
تضامن فرنسي أمني مع إقليم كوردستان
 
أما على الصعيد الأمني، فلم تكن فرنسا بعيدة عما يجري في إقليم كوردستان والعراق، وتتابع باستمرار ما يجري على الأرض، من خلال تقديم الدعم للحرب ضد داعش، والتنديد بالهجمات التركية على مناطق داخل إقليم كوردستان، حيث نددت الخارجية الفرنسية منتصف آب الماضي بالعمليات التركية العسكرية داخل إقليم كوردستان، ووصفت القصف التركي على موقع شمال أربيل، تسبب بمقتل ضباط عراقيين بحرس الحدود فضلاً عن قيادي بحزب العمال الكوردستاني، بأنه "تطور خطير". 
 
وسبق لرئيس إقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني أن استقبل يوم 27 آب 2020، فلورانس بارلي وزيرة الدفاع الفرنسية ووفداً مرافقاً لها، حيث بحث الجانبان تطورات التصدي للإرهاب وتحركات داعش في العراق وأكدا على ضرورة استمرار مهام التحالف الدولي المضاد لداعش والتعاون والتنسيق بين البيشمركة والجيش العراقي في مواجهة الإرهاب ومخاطره وضمان القضاء النهائي على داعش.
 
وعبّر نيجيرفان بارزاني عن الشكر لدور فرنسا في هزيمة داعش، مشيراً إلى دور القوات الفرنسية في إقليم كوردستان وخاصة في مجال تدريب قوات البيشمركة والمساعدة في المجال الأمني والاستخباري لمواجهة الإرهاب.
 
من جهتها، عبّرت بارلي عن شكر وتقدير الحكومة الفرنسية للدور الريادي لإقليم كوردستان والبيشمركة في هزيمة إرهابيي داعش وإيواء النازحين واللاجئين وحماية المكونات الدينية والقومية في إقليم كوردستان والدفاع عنها، مؤكدة على استمرار مساندة بلدها لإقليم كوردستان.
 
بارلي أضافت: "إننا إلى جانبكم في هذه المرحلة الصعبة، وسنكون إلى جانبكم في مواجهة داعش، إن لنا عدواً مشتركاً اسمه داعش، إن نضال البيشمركة في هذه الحرب ضد داعش مهم جداً، وفرنسا فخورة بأنها تخوض هذه الحرب المستمرة منذ ست سنوات جنباً إلى جنب البيشمركة. إنها حرب ضروس وحرب صعبة، لكنها حرب مهمة ويجب أن تستمر، إننا مصممون على الاستمرار معكم في الحرب على داعش في إطار التحالف الدولي، وقد بحثنا هذه المسألة مع السلطات العراقية وكذلك مع الجنرال وايت ومع وزير الدفاع في الحكومة الاتحادية العراقية".


المصدر : شبكة روداو الاعلامية 

ليست هناك تعليقات